إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك
تفاسير سور من القرآن
73978 مشاهدة
تفسير قوله: كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ

...............................................................................


كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ أي وقلنا لهم: كُلُوا هذا أمر إباحة.
وفيه ثلاثة أفعال في اللغة العربية مبدوءة بالهمزة يجوز حذف همزتها في الأمر، ولا نظير لها وهي أخذ وأمر وأكل. نقول في الأمر منها: خذ، مر، كل بقياس مطرد. إلا أن أمر إذا كان قبلها واو قبل الهمزة واو أو فاء كان إثبات الهمزة في الأمر أفصح، ومنه قوله: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ فإن لم يكن قبلها واو ولا فاء فإسقاط الهمزة في الأمر أفصح؛ كقوله - صلى الله عليه وسلم - مرهم بالصلاة لسبع مره فليراجعها ونحو ذلك.
وهذا معنى قوله: كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ كهذا الطائر الذي هو السمانى، وهذه الفاكهة العظيمة التي هي الْمَنَّ أو غير ذلك على أنه أعم من الطرنجبين. والطيب هنا شامل طيب الإباحة، وطيب اللذاذة؛ لأن الطيب يطلق إطلاقين.
يطلق طيبا من جهة الإباحة وعدم الشبهة، ويطلق طيبا من جهة اللذاذة وحسن المأكل، وهو جامع لهما هنا في قوله: كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ .
فهؤلاء اليهود لما أنعم الله عليهم هذه النعم وخالفوا، ادخروا من الْمَنَّ وَالسَّلْوَى و هم منهيون عن الادخار. وسيأتي ما بدلوا من القول والفعل ما سلط الله عليهم بسببه من العذاب. قال الله إن مخالفاتهم عند الإنعام عليهم، ومقابلاتهم إنعام الله بمعاصيه أنهم ما ظلموا الله في ذلك، وما ظلموا إلا أنفسهم؛ أي وَمَا ظَلَمُونَا ؛ بمقابلتهم إنعامنا بالمعاصي، وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ .
قوله: وَمَا ظَلَمُونَا ؛ هو نص صريح على أن نفى الفعل لا يدل على إمكانه؛ لأن الله نفى ظلمهم له، ونفيه جل وعلا ظلمهم له لا يدل على إمكان ذلك. سبحانه عن ذلك علوا كبيرا.
وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ قدم المفعول لأجل الاختصاص أي لا يظلمون بذلك إلا أنفسهم.
ونرجو الله جل وعلا أن يوفقنا لما يرضيه، وأن يرفق بنا فلا نظلم أنفسنا ولا نظلم أحدا. اللهم وفقنا حتى لا نظلم أنفسنا، ولا نظلم أحدا من خلقك. ربنا آتنا في الدنيا....